<!--<!--<!--
من ادب الحمر
نجد ان ادب الحداي الذي يدل على مكانة الحيوان و تربيته فى الثقافة الشعبية لدى قبيلة الحمر الرعوية بمنطقة شمال كردفان حيث يمثل الحدَّاي شاعر القبيلة وهذا لعمري مظهراً يشابه بنية القبيلة العربية و يؤكد عروبة تلك القبائل و من امثلة شعر الحداي كلمات الشاعر / محمد النيَّل الحمدان من قبيلة التيايسة وهم عرب رحل من بطون الحمر يقطنون قرية حلة جابر بمنطقة المجرور، وقد اورد مثالين للحداي الاول نظم على سبيل الغزل و الوصف و الثاني يعرف بحداي الراعي.
- حداي الغزل:-
يا بنيّة جدية السفالة[1]
جملها برك فى الحدارة[2]
والدتها جرت بعجالة
قالت الدلديل[3] ما عمارة
مالو الدلديل ما عمارة
عاجبني قدة[4] و حمارة
ودعة كيف الصلالة[5]
ديل يبرنك زعالة[6]
و ديل يبرنك بغارة[7]
جاريات من دربك فتارة[8]
جراسها[9] كبارة و صغارة
معاذاً بادل عيالة[10]
جراسها كبارة و صغارة
زرزوراً[11] عاكل طمالة
يا اخوانا جدية السفالة ... جحفتها تماثل القطارة
فى هذا الحداي يصف الشاعر مشهداً تصويرياً بديعاً يعبر عن فتاة حسناء رشيقة على سفر و ترحال محمولة على جحفة كبيرة مليئة بكل انواع الزينة و ذلك اشارة لغنى و ثراء والدها و اقتناءه للضان و الابل باعداد كبيرة وهذا دلالة على حرفته و همته فى تربية الماشية و يسوق المشهد فى شكل حواري بينه ووالدة الفتاة التى اشفقت عليها وذلك لان الجمل الذي يحملها ناء بحمله و برك عند المنحدر و الحداي لايرى غضاضة فى ذلك مستنكراً اشفاقها " مالو الدلديل ما عمارة " و ناقلاً اعجابه بمحتوى الجحفة من ايد الفايق و العدل و النقانق" .. عاجبني قدة و حمارة" .
ومن ثم واصل الشاعر وصف تكالب رفيقات موصوفته مابين مجموعة حاسدة حاقدة و اخرى مشجعة و مثنية " ديل يبرنك زعالة.. و ديل يبرنك بغارة" و ربما يكون ذلك معهودا فى الحياة الاجتماعية ومرد ذلك الغنى و الجاه والذي يتمثل فى اقتناء الحيوان السليم المنتج باعداد وفيرة فى الريف الرعوي، و قد نقل الحداي صورة عنت و تعب رفيقات موصوفته فيما ذهبن اليه من حقد و مؤازرة دلالة على المكانة السامية التى تمتلكها " جاريات من دربك فتارة".
وايضاً يركز الحداي الصورة الجمالية الوصفية لجحفة موصوفته و يعطيها بعداً صوتياً حيث شبه تبادل رنين الاجراس المثبتة من الامام و الخلف و باحجامها المختلفة بصورة مقتبسة من تربية الماعز والتى تتم عبر تربية السخلان فى كثير من الاحيان بمعذل عن الامهات مع السماح لها بالرضاعة فى اوقات معينة عندها تتبادل الامهات و السخلان الثغاء بصورة مميزة وهى التى استلفها الحداي لوصف الاصوات المتبادلة بين مجموعة الاجراس الامامية و الخلفية وكان ذلك فى غاية التناغم و الجمال " جراسها كبارة و صغارة .. معاذاً بادل عيالة" وكرر الحداي تشبيه للاجراس باستلاف صورة اخرى من البيئة الطبيعية وهى حالة شراب الطيور الصغيرة و التى تعرف بالزرزور و التى تشرب من ما تبقى من المياه فى البرك النافدة حيث يلغب عليها الطين و العكورة " زرزوراً عاكل طمالة" .
و يختم الحداي قصيدته الجميلة مقراً بهيبة جحفة موصوفته و عظم اجراسها التى تشبه القطار هيبة و صوتاً وهذا دلالة واضحة لمكانة الحيوان الاجتماعية و الثقافية.
- حداي الراعي :-
دليل البرقة[12] ما بشيل القروش سلفيَّة
جاء التاجر حسن[13] لا عمة لاطاقيَّة
سمَّعنا الكـلام فوق الغنم كميَّة[14]
غلَّينا الضكـور بعنالو جزاريَّة[15]
عبر هذه الكلمات يخط الحداي اسس رعاية الضان و مواصفات الراعي الجيد الذي لا يقع فى فخ الاستدانة و ذلك لحسن ادارته و اكتفاءه بحيواناته " دليل البرقة ما بشيل القروش سلفية" و نتيجة لتلك الرعاية المتميزة كانت اغنام الراعي على مستوى جيد من التغذية و الصحة و بذلك ارتفعت قيمتها الاقتصادية التى لم تخفى على التاجر حسن عند رؤيته لها و اندفع دون تروي " جاء التاجر حسن لا عمة لاطاقية " و أخذ يساوم فى شرائها و لم يستطع توفية اسعارها وذلك لارتفاع قيمتها و جودتها العالية وخصوصاً الكباش و تمكن فقط من شراء النعاج بدلاً منها " غلينا الضكور بعنالو جزارية"
ومن ما تقدم نجد ان مكانة الحيوان فى مجتمعات الحمر الرعوية عظيمة وهي الاساس التى تقوم عليه الحياة فى المنطقة و تدعم جميع الادبيات الشائعة فى المنطقة مبدأ تجويد و تقوية اساليب التربية وذلك للفائدة الاقتصادية وهذا يعد بيئة خصبة لتلقي تقانات التربية المكثفة لزيادة الانتاج و الرقي الاجتماعي الاقتصادي.
[1] جدية السفالة : هى الغزال الرشيق الصغير وهو من الحيوانات البرية الموجودة بالمنطقة و السفالة : هى الارض التى تخضر فى الخريف و تجدب فى الصيف وهي بيئة الغزلان.
[2] المكان المنحدر
[3] عبارة عن زينة مصاحبة للجحفة او الهودج الذي يحمل على الجمل فى حالة الترحال وهو محمل النساء و تصمم هذه الزينة بواسطة مشغولات جلدية و تلون باللون الاحمر القانئ و منها العدل و القناقن و ايد الفايق.
[4] سيور الجلد وهى ضمن الزينة المذكورة اعلاه.
[5] رصة طولية للودع ( شكل من القواقع) تحاكي الثعبان على المشغولات الجلدية للزينة اعلاه.
[6] تملكهم الغضب حقداً و حسداً.
[7] شاكرين و مثنيين
[8] بلغهم التعب
[9] اجراس تثبت فى الجحفة من الامام و الخلف
[10] صغار الماعز
[11] نوع من الطيور البرية الصغيرة بالمنطقة
[12] دليل : الراعي البرقة : الضان
[13] هو حسن جدو كبير تجار الضان بمنطقة جريبان
[14] المساومة فى الاغنام عند الشراء ( المعراض باللهجة المحلية)
[15] الجزارية : النعجة العاقر التى تسمن للذبح
ساحة النقاش