<!--
<!--<!--<!--
جاء ذكر الماء و الأرض معاً في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى على النحو التالي:
1. الآية الأولى:
﴿و ترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج﴾ آية 5 سورة الحج
جاء في تفسير هذه الآية الكريمة في تفسير الجلالين على النحو التالي:
وترى الأرض هامدة (يابسة) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت (تحركت) و ربت (ارتفعت و زادت) و أنبتت من (زائدة) كل زوج (صنف) بهيج (حسن). أما ابن كثير رحمه الله فقد قال (ترى الأرض هامدة ) الهامدة هي المقحلة التي لا ينبت فيها شيء (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج) أي إذا نزل عليها المطر(اهتزت) أي تحركت بالنبات (وربت) أي ارتفعت لما سكن فيه من الثرى ثم أنبتت فيها من أشجار و زروع (وأنبتت من كل زوج بهيج) حسن المنظر طيب الريح. أما الزمخشري في الكشاف فقد أورد أن الهامدة هي الميتة اليابسة و (اهتزت و ربت) تحركت بالنبات و انتفخت. و أورد الشوكاني في فتح القدير أن الأرض الهامدة هي اليابسة التي لا تنبت شيئاً و قيل هي التي ذهب عنها الندى (فإذا انزلنا عليها الماء اهتزت) المراد بالماء المطر ومعنى اهتزت تحركت والاهتزاز هو شدة الحركة و المعني تحركت بالنبات لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها عن بعض إزالة حقيقية. و معنى ربت ارتفعت و قيل انتفخت والمعنى واحد أصله الزيادة. (وأنبتت) يعني أخرجت (من كل زوج بهيج) أي من كل صنف حسن و لون مستحسن.
2. الآية الثانية:
﴿ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت ، إن الذي أحياها لمحي الموتى ، إنه على كل شئ قدير﴾ آية 39 سورة فصلت
جاء في تفسير هذه الآية الكريمة في الجلالين (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) يابسة لا نبات فيها (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) تحركت (وربت) انتفخت و علت (إن الذي أحياها لمحي الموتى ، إنه على كل شئ قدير). أما ابن كثير رحمه الله فقد أورد في تفسير الآية (ومن آياته أنك تر ى الأرض خاشعة) أي هامدة لا نبات فيها بل هي ميتة (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت) أي اخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار (إن الذي أحياها ، لمحي الموتى ، إنه على كل شئ قدير)
أما الزمخشري رحمه الله فقد أورد في الكشاف أن الخشوع هو التذلل و و التقاصر فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله تعالى (و ترى الأرض هامدة) آية 5 سورة الحج ، و هو خلاف وصفها بالاهتزاز و الربو و هو الانتفاخ إذا أخصبت و تزخرفت بالنبات كأنها بمنزلة المختال في زيه و قرئ ربأت أي ارتفعت لأن النبت إذا همّ أن يظهر ارتفعت له الأرض. و أورد الشوكاني في فتح القدير (و من آياته أنك ترى الأرض خاشعة) ، الخاشعة تعني اليابسة الجدبة و قيل الغبراء التي لا تنبت (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت) أي ماء المطر و معنى اهتزت تحركت بالنبات و معنى ربت ، انتفخت وعلت قبل أن تنبت وعلى هذا ففي الكلام تقديم و تأخير تقديره ربت و انتفخت و قيل الاهتزاز و الربو قد يكونان قبل خروج النبات و قد يكونان بعده.
3. أما الآية الثالثة التي ورد فيه ذكر الماء والأرض فهي:
قوله تعالى ﴿أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا﴾ آية 25و26و27 سورة عبس.
جاء في تفسير الآيات في الجلالين أنا صببنا الماء من السحاب صباً ثم شققنا الأرض بالنبات شقا.
أما ابن كثير رحمه الله فقال (أنا صببنا الماء صبا) أي أنزلناه من السماء على الأرض (ثم شققنا الأرض شقا) أي أسكاناه فيها فيدخل في تخومها فنبت و ارتفع و ظهر على وجه الأرض.
أما الزمخشري رحمه الله في الكشاف فقال في معنى الآية (أنا صببنا الماء صبا) يعني الغيث و شققنا من شق الأرض بالنبات و أسند الشق إلى نفسه إسناداً للفعل إلى السبب.
أما الشوكاني رحمه الله فقد أورد في فتح القدير في تفسير الآية (فالينظر الإنسان إلى طعامه ، أنا صببا الماء صبا ، ثم شققنا الأرض شقا ) أي شققناها بالنبات الخارج منها بسبب المطر شقا بديعا لائقا بما يخرج منه.
نلاحظ في هذه التفاسير أن تفسير الجلالين قد أورد في تفسير آيتي الحج و فصلت نوعاً من الترتيب الذي اقتضى إنزال الماء أولاً والإهتزاز ثانياً و الربو أو الإرتفاع ثالثاً وأضاف إنبات النبات رابعاً في آية سورة الحج . أما بقية المفسرين فقد اتفقوا في آية الحج أن تحرك الأرض بالنبات ، بينما اختلف منهم الشوكاني في آية فصلت أن الإهتزاز والربو قد يكونان قبل خروج النبات أو بعده . أما في آيتي سورة عبس فقد إتفق كل المفسرين أن شق الأرض بواسطة النبات وقد اتفق كل المفسرين أن المقصود بالماء هو المطر أو الغيث .
إذا تأملنا الآيات الكريمة وأسقطنا على فهم المفسرين رحمهم الله بعض ما استقر عليه العلم التجريبي الحديث في علوم الماء والتربة نلاحظ أشياء تعكس الإعجاز العلمي في القرآن في تلك الآيات. فمثلاً نرى أن ذكر الماء في هذه الآيات الثلاث جاء معرفاً بالألف واللام ولعدم وجود أي قرائن أخرى نجد أن الذهن ينصرف تلقائياً إلى أن الألف واللام في هذه الآيات إنما هي ألف لام الجنس والتي تعني ماهية الماء أو طبيعة الماء أو ما يمكن أن نطلق عليه المصطلح الكيميائي جزيء الماء و ربما عكس هذا التعريف الدور الكيميائي الماء في شكله الجزيئي في اهتزاز الأرض وارتفاعها وانشقاقها . كذلك العطف بالواو كما جاء في آيتي سورة الحج وفصلت يفيد الترتيب أحيانا كما جاء في قوله تعالى ( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ) آية 1و2 من سورة الزلزلة. فإذا تحرر هذا الفهم فان أولى الخطوات عند إضافة الماء إلى التربة هو الاهتزاز وتبع ذلك الارتفاع ثم التشقق فإنبات النبات. وهاتان الأخيرتان ظاهرتان في آيتي عبس حيث أن عطف التشقق على صب الماء بثم يفيد الترتيب مع التراخي وعطف الإنبات بالفاء بعد التشقق يفيد الترتيب من غير مهلة ، بالإضافة لذلك فإن خاصية الاهتزاز والانتفاخ من خواص التربة حتى إن لم تكن بها إي بذور للإنبات ، بمعنى إذا أخذنا كمية من التربة ثم قمنا بتعقيمها في الأفران لحرق كل البذور التي فيها ومن ثم إذا أضفنا لها الماء لاهتزت وربت دون أن تنبت ولذلك نرى أن دراسة ميكانيكية التربة من أبجديات إقامة المنازل والعمارات . بالإضافة لذلك ربما احتاج كل من اهتزاز وانتفاخ وتشقق التربة إلى كميات مختلفة من الماء. وبالفعل نجد أن في آيتي الحج وفصلت جاء التعبير القرآني بأنزلنا الذي يفيد الإنزال لمرة واحدة وقد تكون كمية الماء قليلة أو كثيرة كافية لاهتزاز التربة وانتفاخها ولكن ليست بالضرورة كافية لتشقق التربة بل ربما لا تكفي كمية الماء لقفل الشقوق القديمة ناهيك عن التشقق الجديد ، أما في سورة عبس فجاء التعبير بصببنا بفكٍّ الفعل صبّ إلى باءين وزيادة المبني في الفعل يؤدي إلى زيادة المعنى كما يقول النحاة وإضافة لذلك فإن تأكيد الفعل بالمفعول المطلق صبا يفيد كثرة الماء الذي يؤدي إلى تشقق الأرض بعد عدة أيام عند جفاف الارض و لذلك جاء العطف بثم.
لكي نفهم كل هذا النشاط الذي يدب في التربة عند إضافة الماء إليها لابد من فهم مبسط لطبيعة وكيمياء التربة ، نقول وبعون الله تعالى إن من أعظم نعم الله تعالى على كافة الكائنات الحية بصفة عامة وعلى الإنسان والحيوان بصفة خاصة أن جعل في الأرض بصفه خاصة وفي التربة على وجه أخص بعض الخواص التي لولاها لما كانت هنالك حياة على هذه البسيطة ، وصدق الله العظيم القائل ( والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) ( الذاريات 48 ) والقائل ( ألم نجعل الأرض مهادا ) ( النبأ 6 ) والقائل ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعه أيام سواء للسائلين ) ( فصلت 9, 10 ) .
لفهم عمل الماء في شكله الجزيئي على التربة لابد من فهم خواص التربة ونبدأ بمكوناتها. يتكون الجزء الصلب من التربة من مكونين أساسيين احدهما لا عضوي ( inorganic) والثاني عضوي ( organic). المكون العضوي هو الدبال وهو ما ينتهي إليه تحلل المواد العضوية في التربة أما المكون ألا عضوي فيتكون من أجزاء لا عضوية يتراوح حجمها من الطين ( clay) وحجمه اقل من 2 نانومتر ( النانومتر يساوي 1/9 من المتر ) , الطفل (silt ) ويتراوح حجمه من 2 الى 50 نانومتر , والرمل ( sand) ويتراوح حجمه من 50 نانومتر الى 2 مليمتر والحصا (gravel ) ويتراوح حجمه من 2 ملمتر الى 2 سنتميتر. ولا توجد تربة مكونة من صنف واحد فقط من هذه المكونات ولذلك نجد كل الترب في العالم مخلوطة من هذه الأجزاء وفق الموقع الجغرافي والمناخ الذي نشأت فيه تلك التربة ويتحدد ملمس التربة في أي مكان بناء على نسب تواجد هذه المكونات فيها , أما أهم معادن الطين في التربة فهي طبقات السلكات , هذه الطبقات مكونة من سلاسل مكونة من جزيئات صغيرة إحداها رباعية الجدران (tetrahedron ) أو الثانية ثمانية الجدران ( octahedron). الجزيئات الرباعية الجدران تكون في شكل هرمي ويكون عنصر السليكون هو العنصر المركزي فيها ( أي العنصر الموجود في مركز هذا الجزيء ) أما في حالة الجزيئات الثمانية الجدران فهذه تتكون من جزئ به ثمانية جدران و العنصر المركزي فيها هو الألمونيوم مع احتمال أن يحل محله الماغنسيوم أو الحديد , الجزيئات الرباعية الجدران تلتصق ببعضها في خط مستقيم لتكون سلسلة رباعية الجدران وبنفس الطريقة تلتصق الجزيئات الثمانية الجدران ببعضها في خط مستقيم لتكون سلسلة ثمانية الجدران. بناء على تبادل سلاسل الجزيئات رباعية الجدران مع ذات الثمانية جدران توجد أنواع مختلفة من معادن الطين (clay minirals ) إلا أن أهمها ثلاثة سوف أتناولها بإيجاز شديد وذلك للحاجة إليها في فهم قول الله تعالى ( وربت ) في كل من سورتي الحج وفصلت. أولى هذه المعادن ما يطلق عليها الكالونايت (kaolinite) وتتكون من وحدات كل وحدة فيها مكونة من سلسلتين فقط إحداها رباعية الجدران والثانية ثمانية الجدران ولذلك نسبة السلسلتين هي 1 : 1 وفي هذا النوع من الطين تكون المسافة بين كل وحدتين هي 0.72 نانومتر. في هذا النوع من الطين تلتصق الطبقه الرباعية مع الطبقة الثمانية بقوة شديدة عن طريق أكسجين مشترك ولذلك هناك إمكانية ضئيلة في تمدد مثل هذا النوع من الطين وكذلك لايمكن للماء والعناصر الغذائية التحرك بين الطبقات .
ساحة النقاش