شمارات مزارع
فجأة وجدت نفسي اقود سيارة فارهة ذات دفع رباعي من ماركة عالمية شهيرة يتأرجح هوائي اللاسلكي الفخم يمنة ويسرة كلما اهتزت السيارة التى تحمل رقماً مميزاً يعلوه كلمة ( استثمار) وعلى الطبلون تجلس بوقار قارورة العطر الفرنسي مرسلة تحياتها الفواحة وعبيرها الندي لكل من فى السيارة فيجيبها " الاستريو" الرقمي بانغام شجية بينما يشارك هواء التكييف بنقل هذه التحايا لكل اجزاء السيارة، وانا شخصياً امسك بمقود العربة وان كانت يداي وذراعاي قد تضخمتا كثيراً وحتى ذلك الشعر الذي كان يكسوهما وازاله الطين عاد من جديد بل وغزيراً شديد اللمعان وارتدي بدلة كاملة [ فل سوت] من ماركة عالمية شهيرة وبين الفنية والاخرى يرسل جوال الثريا انغاماً اتجاهل اكثرها، وتسير العربة بتؤدة نحو شركتى وعبر الزجاج المظلل اري الاشباه الآدمية تزحم الطريق بل وتسده احياناً . بالله .. كيف تستطيع هذه السيقان النحيلة ان تتحمل هذه الاجسام الضامرة والأعجب ان بشرتهم جمعياً رغم اختلاف الوانها كالحة .. يا الهي لماذ لا تبني الحكومة ملاجئ لهذه المخلوقات على الاقل حتى توفر عليهم مشقة الجيئة والذهاب، كانت هذه الافكار تدور براسي حتى وقفت العربة امام " شركة انتاج وتصدير المنتجات الزراعية" وقف الجميع لتحيتي احتراماً او نفاقاً وحيوني صباح الخير يا سيد...واجبتهم بايماءة بينما تدافعوا لحمل حقيبتي{ الخفيفة اصلاً} فاعطيتها لهم فطاروا بها لمكتبي بينما كنت امشي متمهلاً ومتفحصاً وما ان ادلي بملاحظة حتى يسجلها عبد الله ..وهكذا اتفقد كل الاقسام وما ان ادخل قسماً حتى يقفوا لتحيتي ويعطيني المسئول تقريراً شفوياً عن الموقف حتى الآن خاتماً بان التقرير المفصل امامي فى المكتب.. وهكذا حتى دخلت ادارة المشتروات والذين افادوني بان طائرة النقل الجديدة والتى تم شراؤها مؤخراً قد انضمت لاسطول الشركة بل انها الآن محملة بالصادرات المتجهة الى اوروبا وامريكا. وعندما وصلت الى الطابق الذي يوجد فيه مكتبي عبرت مكتب السكرتيرة والتى هبت واقفة لتحيتي بقامتها الهيفاء وطلعتها البهية ولمن لا يعرفها فهي تجيد سبعة لغات عالمية وتتولي كافة اعمال الترجمة، ودلفت الى مكتبي دون النظر الى جموع المنتظرين داخل المكتب الانيق، وبمجرد دخولي الى المكتب تم احضار القهوة المظبوطة والصحف اليومية المحلية والأجنبية مع ملخصات للأشياء الهامة ولما كان برنامجي مزدحماً فقد اكتفيت بقراءة الملخصات و ألقيت نظرة عجلي على بقية الصحف، وعندها أخبرتني السكرتيرة بان (مستر كارلو) قد وصل فطلبت منها استدعاء رئيس الإدارة القانونية ومدراء المبيوعات و المشتروات فأفادتني بانهم ايضا فى مكتبها فامرتها بان تأذن لهم بالدخول، وبعد الترحيب تم عقد الاجتماع الذي تم الاتفاق فيه على تصدير منتجات شركتي الى امريكا الجنوبية مع استيراد بعض المعدات الزراعية وآليات الحصاد الآلي الخضروات و التى كانت قد وصلت منها عينات تم اجراء الاختبارات اللازمة عليها بواسطة وزارة الزراعة وتمت الموافقة على دخولها ..وبالرغم من ان هذه الصفقة تعتبر صغيرة فلا يتعدي هامش ربحها المائتي مليون دولار الا ان الانفتاح على السوق الأمريكي الجنوبي هو ما شجعنا على ابرامها. وبعد خروجهم كانت هناك بعض الصفقات المحلية من زيادة الطاقة التخزينية المبردة ودعم الآت المناولة بالمطار وغيرها ، وبعدها اتصلت السكرتيرة تفيد ان مدير بنك..... على الخط فاخبرتها انني مشغول ولكنه عاد للاتصال عبر الجوال ورجاني التكرم بزيارته لان هناك اشياء هامة لا يريد ان يقولها عبر التلفون فوعدته بالزيارة آخر اليوم وبعدها اطلعت على تقارير الاداء والموقف المالي للشركة والبريد الالكتروني وبعدها خرجت لاجتماع فى الغرفة الزراعية والذي اضاع وقتي فيما لا طائل منه واخيراً ذهبت لبنك... ووجدت مكتب السكرتارية مكتظاً بالبشر وما ان رأتني السكرتيرة حتى هبت واقفة راسمة على شفتيها ابتسامة واسعة ثم دعتني للدخول على السيد المدير والذي هب واقفاً لتحيتي ثم اخبرني بان السيولة قد وصلت وبما انها لا تتعدي المليار ولاني زبون يفي بالتزاماته فى مواعيدها فسيكون سعيداً بإعطائي أولوية مطلقة ثم بإيماءة من رأسه وطبعاً " انت سيد العارفين بنفس الطريقة السابقة" فأخبرته بان معاملاتي جاهزة وسارسلها غداً مع مدير الحسابات، وخرجت من عنده لا لحق بغداء عمل لشركة اجنبية قدمت عروضاً جيدة واثناء سيري وتفكيري فيما بعد الغداء والفوائد التى يمكن ان اخرج بها من هذه الصفقة خاصة بعد ان اشترطت الزوجة الجديدة لسكنها عمارة من خمسة طوابق فى قاردن سيتي ، وفجاءة ارتطمت سيارتي بشئ حقير صغير الحجم يسمونه هذه الايام سيارة ففتحت باب العربة بتمهل متمتماً سلامة .. سلامة فانا مستعد ان أعوضه ثمنها وعليه ان يذهب معي لشركتي ولدهشتي رفض العرض او الخوض فيه حتى تصل شرطة المرور فقلت له يا ابني انني مستعد ان اشتري له مائة من مثل هذه ومن الخير له ان يذهب معي ولكن هذا الغبي المأفون رفض ايضا، فانهلت بقبضتي على سيارتي صائحاً ليس لدي وقت لكي انتظر فامامي ارتباط هام وهنا تضاحك جمهور الحاضرين من أولئك الكالحين والذين أحاطوا بنا وبدأوا فى التعليق " عاملين فيها حرامية كبار وتكسروا عربات الناس ودايرين تزوغوا؟ ما تخليهو يا زول" .. فرجوته مرة اخري ان يذهب معي لعمل التسوية ولكنه اصّر على الانتظار وعندها لم اتمالك نفسي فلطمت سيارته بقدمي وفى تلك اللحظة أفقت على لطمة هائلة فى ساقي وآلة بشرية ضخمة تصيح { انت نايم فى بيت ابوك؟! الحراسة دى ما ضيقة !! ما تلم كرعيك} فما كان مني الا أن قفزت واقفاً بقدم واحدة وانا ارتجف من الخوف فنظر الىّ شذراً وهو يصيح " هنا مساواة يا حبيب الجايبو البنك ولا الجايبو غيرو" ثم بغمزة تبعتها ضحكة تهكمية: قال معسرين قال... كدي ادينا سفة!!.
ساحة النقاش